لا يخفى علينا أننا الآن في عصر تراكمت في المعرفة التي حصدتها البشرية عبر القرون، ولا تزال هذه المعرفة تزداد بزيادة الإنتاج البشري يوماً بعد يوم، ويتمثل هذا الإنتاج في آلاف الكتب الجديدة التي تنشر سنوياً، وآلاف المجلات أيضاً، وآلاف الأبحاث العلمية، وكل هذا لا يمكن إدراكه إلا بالقراءة والاطلاع عليها بأي وسيلة كانت، هذا غير الصحف اليومية التي نطالعها، ورسائل البريد الإلكتروني ورسائل الدردشة.
فإذا افترضنا أننا قد قمنا بقراءة ما كتبته البشرية سلفاً، فإنه لا يمكننا مواكبة ما يجري الآن حتى لو عكفنا على القراءة مدة 24 ساعة في اليوم، فكيف بنا والوقت يمضي بإيقاع سريع، ويبدو أن هذا الإيقاع يزداد مع زيادة أشغالنا في الحياة.
فإذا كان العقل البشرى يقوم بعمليات معقدة وينتج حلول مبتكرة، ويحفظ كم هائل من المعلومات ويقوم بتحليلها في وقت وجيز، فلماذا توقف الأمر عند القراءة؟!
قد نجد شخص يقرأ كتاباً كل أسبوع وآخر يقرأ كتاباً كل شهر، ويزداد عدد الكتب أو يقل من شخص لآخر وقد ينعدم عند الكثير، ولكن تظل سرعة القراءة متقاربة عند معظم الناس، حيث يبلغ متوسط سرعة القراءة عند الأغلبية 250-300 كلمة/الدقيقة ويختلف هذا التقييم من جهة إلى أخرى .
ومن هنا يتبادر إلى أذهاننا أنّ من يقرأ كتب أكثر يعني أنه يمضي وقت أطول في القراءة أو تكاد لا تخلو يداه من كتاب، ولكن تأتي طريقة القراءة السريعة لتنفي هذه الفكرة تماماً، فالسرعة المتدنية التي نمتلكها لا تعبر بالضرورة عن مقدرتنا العقلية، وإنما تعبر عن سرعة إدخالنا للمعلومات، والتي تعتمد بالأساس على الطريقة التي نتبعها في القراءة.
ومن خلال اتباع أسلوب القراءة السريعة أو ما يطلق عليها القراءة التصويرية يمكن تخطي الطرق التقليدية التي تقف وراء سرعتنا في القراءة، وقد تحدث عن هذا الأمر الخبير “توني بوزان” Tony Buzan (وهو مبتكر فكرة الخريطة الذهنية). فعندما كان بوزان في الرابعة عشر من عمره تم اختباره مع بقية زملائه في الصف لمعرفة مقدراتهم العقلية، وكان من ضمن الاختبارات اختبار لقياس سرعة القراءة، وبعد عدة أسابيع من جلسة الاختبار تلقى الطلاب النتائج، وحصل بوزان على سرعة قراءة 213 كلمة في الدقيقة، وأخبرهم أستاذهم بأن سرعة 200 كلمة هي المتوسط، وكانت أعلى نتيجة أحرزت في الفصل هي 314 كلمة في الدقيقة. غضب توني من ذلك، فهو يرى أن باستطاعته أن يفعل المزيد؛ فذهب إلى المعلم وسأله عن كيفية زيادة سرعته في القراءة، ولكنه تفاجأ بما قاله المعلم؛ فقد أخبره بأنه لا يمكنه فعل ذلك أبداً فمقدرتك في القراءة مثل مقدرتك العقلية، إنها تماماً مثل لون عينيك لا يمكنك تغييره! هكذا ببساطة.
استفزّ ذلك توني جداً فعكف على أن يثبت عكس ذلك، وكان قد بدأ برنامجاً للتمارين البدنية، ولاحظ تغيراً كبيراً في عضلات جسمه بعد أسابيع قليلة، فإذا تم اختيار التدريب المناسب فإنه يمكن إحداث التغير المطلوب في العضلات والمقدرة البدنية بأكملها، فلماذا لا نفعل ذلك مع مقدراتنا الذهنية بتقويتها من خلال التمارين العقلية المناسبة لذلك؟
هذا السؤال قاد توني لزيادة سرعة قراءته من خلال التدريب المتواصل، وقد تخطى بالفعل حاجز 400 كلمة في الدقيقة، وتدريجياً استطاع أن يصل إلى سرعة تتجاوز 1000 كلمة في الدقيقة بأريحية حسبما صرح بذلك على موقعه الرسمي. كما طور من مقدراته العقلية الأخرى فأصبح يفكر بسرعة أكبر ويدرس بصورة أفضل، ووفر على نفسه الكثير من الوقت، كما ألف الكثير من الكتب التي تجاوزت 100 كتاب، تتحدث على تطوير الذات والمقدرات العقلية، وألقي العديد من المحاضرات، وقدم الكثير من الدورات، فأصبح أحد أهم الأشخاص الذين ساهموا في مجال الإبداع العقلي حول العالم، وبات يمثل خلاصة 40 عاماً من الأبحاث في مجال قدرات العقل البشري.
وإحدى أعمال هذا المفكر هو كتاب القراءة السريعة الذي يتحدث فيه عن طرق زيادة سرعة القراءة، وعن عيوب الطريقة التقليدية التي نتبعها وكيف نتخطى حواجز القراءة البطيئة، وكل ذلك من خلال تجاربه الشخصية التي مر بها حتى استطاع أن يطور نفسه، وقد ترجم هذا الكتاب للغة العربية مثل غيره من كتب المؤلف.
ولا يقف الأمر على هذا الكتاب وحده، فهناك كتب أخرى باللغة العربية تشرح العديد من الطرق المبتكرة للاستفادة من طاقتنا العقلية الكامنة، وهناك العديد من الكتب قد ألفت في هذا السياق، كما باتت العديد من الدورات حول العالم تقدم في هذا المجال.
وفي النهاية إذا حصلنا على السرعة التي نريدها في القراءة بدرجة استيعاب مقبولة، يبقى هناك أمر آخر هو نوع النصوص التي نتلقاها والكتب التي نعكف عليها، فهناك من يقرأ الكثير من الكتب التي لا تحوي الفائدة أو تكاد تنعدم فيها، فينعكس ذلك تماماً على أفكار القارئ، فعلى حسب المدخلات التي يتلقاها العقل تكون النتائج، فعلينا أن نختار ما نقرأ بعناية كما نختار ما نأكله.